لم يكن خيار العودة إلى لبنان والعمل والاستقرار فيه، بعدما انهيت دراسة الطب، خيارًا سهلاً. فكلنا نعلم ماذا يعني أن تعيش في لبنان. قررت العودة، والاستقرار بين أهلي، أملًا منّي بتخفيف قسوة الحياة عنهم.
خلال الاثنين والعشرين سنة المنصرمة، لمست يوميًّا آلام الناس بشكل مباشر، ليست الآلام الجسدية التي أعنيها، بل آلام اليأس والإحباط والذل والفقررأيت كيف يبيع الناس ولاءهم عند كل دخول مستشفى، أدركت كيف يتحول المرض إلى ظاهرة فردية، يبيع صاحبها أعز ما يملك أمام وجيه منطقته، من أجل أن يتحنن هذا الأخير باتصال هاتفي ببعض المعنيين يدخله إلى المستشفى.
حاولت، على قدر المستطاع، أن أقدم يد العون لمن هو بحاجة. إلا أن الحاجات كثيرة وكبيرة، ولا سبيل لتلبيتها بالطرق المعتادة.
أُدرك الآن، أن تغيير الواقع الراهن، لا بد أن يتم عبر وسائل مختلفة عما عهدناه سابقًا، فحاضرنا هو نتيجة اختياراتنا السابقة التي اعتمدناها مرة تلو الأخرى. لا بد لنا من أداة فعالة جديدة، تحترم إنسانيتنا، وتنظم علاقاتنا، تساعدنا على تحقيق ما يليق بنا.
أستشعر تمامًا مدى اليأس الذي استشرى في القلوب، وكيف أعمت سياسات السلطة التي حكمت لبنان منذ عشرات السنوات، بصيرة الفكر العام. أنا هنا اليوم، لأبين أن خيار تغيير الواقع دائما ما يبدأ من الذات. وأننا دائما نستطيع أن نصنع قدرنا بيدنا.
أنا هنا اليوم، لأعبر، قولًا وعملًا، أن النظام القائم لم ينجح بجعلي أفقد الأمل والعزيمة. على العكس، أصبحت أؤمن أكثر من أي وقت مضى، أن قيام دولة قادرة، حرة، مستقلة، بات أمرًا لا بُدّ منه، وأننا جميعنا مسؤولون عنه.
ها أنا، من خلال ترشحي، أصنع قدرًا جديدًا، مع من يشاركني الإرادة، والجرأة، الإستقلالية والمعرفة والقوة.